ضم الضفة الغربية إلى شرقي الأردن 1948 ـ 1967 م:
عمل الأردن على ضم الضفة الغربية لأراضيه، فأقيمت المؤتمرات التي كان يحضرها وفود شعبية فلسطينية تفوض الملك عبد الله مهمة تحرير فلسطين، كما عمل الأردن على حبس بعض المناضلين الفسطينيين الذين كانوا يتزعمون العمل الوطني الفلسطيني أمثال: جمال الحسيني، وأهم هذه المؤتمرات مؤتمر عمان في تشرين الأول 1948 ومؤتمر أريحا كانون الأول 1948 ومؤتمر رام الله ونابلس وقد عملت الحكومة الأردنية في نهاية هذه المؤتمرات على اتخاذ إجراءات ترمي إلى توحيد الضفتين كإضافة وزارة جديدة إلى حكومة أبو الهدى وهي وزارة اللاجئين وعين فلسطينياً وزيراً لها. كما منح الفلسطينيون جوازات سفر أردنية وحل البرلمان، وأقيمت انتخابات جديدة عام 1950 للبرلمان الموحد.
أما في قطاع غزة فقد اختلف الوضع، فالسلطات المصرية قامت بإدارة القطاع إدارة مدنية بمسؤولين عسكريين في أكثر الأحيان، وأعادت الدوائر الحكومية التي كانت قائمة في عهد الانتداب وعينت المجلس الإسلامي الأعلى للمنطقة. وفي عام 1954 أعلن الرئيس محمد نجيب عن تعيين حاكم عام لقطاع غزة.
وفي 5 أذار 1962 أعلن الرئيس عبد الناصر النظام الدستوري لقطاع غزة، ومن أهم بنوده: «إن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين، وإن شعبها جزء من الأمة العربية...».
وبعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية، فإن الإدارة المصرية وضعت جميع الامكانيات المصرية في خدمتها حتى أصبح القطاع في فترة وجيزة قاعدة شعبية عريضة للمنظمة بوجود «جيش التحرير الفلسطيني».
وقد ظل الوضع على ما هو عليه حتى نكسة حزيران 1967 واحتلال إسرائيل للقطاع.
المقاومة الفلسطينية (1955 ـ .... م):
لقد كان لبداية العمل الفدائي الفلسطيني جذور تمتد إلى عام 1948، إذ ساد الاعتقاد بأن كل تأخير في مكافحة الصهاينة يخدم كيانهم، ويسهم في تثبيت وجودهم الاستيطاني وبعد نكبة 48، كانت هذه الأعمال الفدائية تتجلى في عبور المواطنين الفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم إلى المناطق المحتلة لقتل من احتل البيت، أو لاسترجاع ماشيتهم... ثم بدأت هذه الأعمال تنظم أكثر فأكثر، فعينت القيادة المصرية المقدم مصطفى حافظ مسؤولاً وموجهاً لنشاطات الفدائيين في غزة. فنظم صفوف الفدائيين، حتى بلغوا حوالي ألف وخمسمائة فدائي، وقد كانت العمليات الفدائية تصل إلى عمق 65 كلم داخل الأراضي المحتلة، وعلى مساحة قدرها 300 كلم2.
وقد اعترفت إسرائيل بوقوع 180 عملية هجوم خلال 3 أشهر ممتدة من 5 كانون الأول 1955 حتى مطلع أذار 1956م.
وعندما بدأ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كان أول ما عملته القوات الإسرائيلية بعد دخولها قطاع غزة العمليات الانتقامية التي ذهب ضحيتها عدد من الفدائيين الفلسطينيين.
حرب 1967. النكسة:
قامت في هذه الحرب القوات الإسرائيلية بالهجوم صبيحة يوم الخامس من حزيران 1967 على القوات العربية المصرية والسورية والأردنية، التي كان غائباً عنها وحده التنسيق والقيادة السياسية والعسكرية الواحدة.
وقد جاءت هذه الحرب بعد تنامي القوة العسكرية العربية، لا سيما في مصر وسوريا إضافة إلى تنامي المد القومي العربي الذي قاده جمال عبد الناصر، وظهرت نتائجه في ثورة 14 تموز 1958 في العراق، وفي انتصار الثورة الجزائرية 1962، وفي نشوء منظمة التحرير الفلسطينية 1964 وتعاظم قوة الثورة الفلسطينية.
يذكر أن المنظمة قد قامت في مرحلة ما قبل الحرب بـحوالي 113 عملية هجومية ضد القوات الإسرائيلية.
أضف إلى كل ذلك، مطامع اليهود الاستعمارية في الأراضي العربية المنزوعة السلاح وكذلك مطامعهم في منابع المياه العربية، إن في روافد نهرالأردن، أو في ينابيع هضبة الجولان السورية.
وقد حققت إسرائيل أهدافها العسكرية من الحرب، وكان من أبرز ما حققته السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض العربية، تزيد كثيراً على ما سبق لها واحتلته في حرب 48، إذ كانت مساحة «دولة إسرائيل المعلنة» في أيار 1948 تقدر بـ20700كم2. فضمت إليها سيناء 61198كم2، قطاع غزة 363كم2، الضفة الغرببية 5878كم2، والجولان 1150كم2. وبذلك أصبح مجموع الأراضي 89,359كم2.
هذه الحرب، أعادت القضية الفلسطينية بقوة إلى الأمم المتحدة التي أصدرت بياناً رقم 242 في 22 تشرين الثاني 1967 تضمن التأكيد على:
ـ انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير.
ـ تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
وقد رفضت إسرائيل قرارات منظمة الأمم المتحدة، وبذلك بدأت رحلة جديدة تميزت باتساع إطارالثورة الفلسطينية، وتزايد ساحات المعارك للمقاومة الفلسطينية.
منظمة التحرير الفلسطينية:
جاءت ولادة هذه المنظمة في المؤتمر الفلسطيني الأول الذي انعقد في القدس في 28 أيار 1964، وشهدته عدة وفود عربية، وافتتحه الملك حسين بن طلال، وأهم قرارات هذا المؤتمر إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية. وتم انتخاب السيد أحمد الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية.
وقد عملت هذه المنظمة على افتتاح مكاتب لها في العواصم العربية وبعض بلدان أوروبا وأفريقيا وآسيا والولايات المتحدة، وتأسيس مكتب دائم لها في الأمم المتحدة.
وقد واجهت المنظمة في دورتيها الثانية والثالثة صعوبات كبيرة خاصة من ناحية الأردن الذي اعترض على مبدأ التسليح والتجنيد والجباية، فتم نقل مركز اللجنة المركزية من عمان إلى القاهرة. وبعد نكسة 1967، نشط العمل الفدائي، والتفت حوله جماهير فلسطين والدول العربية وسار شعور بضرورة إعادة النظر في بناء المنظمة، فقدم الشقيري استقالته واختير يحيى حمودة ليكون رئيساً بالوكالة.
وفي اجتماع الدورة الرابعة للمجلس الوطني 1968 صححت عدة مفاهيم في الميثاق وحددت الأهداف الرئيسية والتي تتمثل بعدم الاعتراف بوجود إسرائيل، ورفض مقررات الأمم المتحدة القاضية بتقسيم فلسطين وآخرها رقم 242.
وفي الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد عام 1969 في القاهرة (وقد تألف هذا المجلس من: حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة وبعض الشخصيات المهمة واعتذرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. انتُخبت اللجنة التنفيذية الجديدة التي بدورها انتخبت ياسر عرفات «أبو عمار» رئيساً لها. بعد هذه الدورة، عاشت الساحة الفلسطينية أحداثاً مهمة أهمها:
صدامات لبنانية فلسطينية تم بعدها توقيع «اتفاقية القاهرة» في 2 تشرين الثاني 1969 التي نظمت العلاقة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير، وكانت أول اتفاقية تعقد بين حكومة عربية والمنظمة.
ـ انضمام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش، والجبهة الشعبية القيادة العامة. إلى عضوية المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، وأصبحت المنظمة تضم فصائل المقاومة الأساسية.
ـ معارك دامية بين الفلسطينيين (المنظمة) والجيش الأردني (أيلول الأسود 1970)، توقفت مع عقد مؤتمر قمة عربي استثنائي في القاهرة (26 ـ 27 أيلول 1970) توصل لتوقيع اتقاقيتي القاهرة وعمان لتنظيم العلاقة بين الطرفين.
إلا أن النزاع تجدد خلال الدورة التاسعة للمجلس الوطني في تموز 1971 وانتهى بخروج المقاومة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان.
حرب 1973 والجانب الفلسطيني:
ازدادت أعمال المقاومة الفلسطينية المسلحة، التي كانت ترد عليها إسرائيل بغارات جوية على قواعد الفدائيين في سوريا والأردن.
وكانت عمليات المقاومة كبيرة ونوعية استطاعت في بعضها تحرير بعض المرتفعات في فلسطين المحتلة. وفي الأيام الأولى لاندلاع الحرب في 6 تشرين الأول، كانت القوات الفلسطينية تشارك على الجبهتين السورية والمصرية، إضافة إلى عمليات فدائية خارجية كانت قامت بها المقاومة قبيل بدء الحرب كان أهمها عملية ميونيخ في ألمانيا في 5 أيلول 1972، وقد أسفرت هذه العملية عن مقتل عدد من الرياضيين الإسرائيليين إلى جانب خمسة من الفدائيين.
جميع هذه العمليات والتحركات، كانت تعيد القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، وتُظهر إسرائيل والصهيونية بأنها شكل من أشكال العنصرية، مما أعطى منظمة التحرير صفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ثم جاءت الدعوة التي وجهتها الأمم المتحدة إلى منظمة التحرير للاشتراك في الدورة 29 بمثابة نصراً للمنظمة التي أصبحت أول حركة تحرير وطنية تشارك في أعمال الأمم المتحدة. وكانت هذه الدعوة نتيجة عدة أسباب أهمها:
ـ قرار القمة العربية السابقة في الرباط 1972 بمبايعة منظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
ـ قرارات حركة عدم الانحياز «ومنظمة المؤتمر الإسلامي» بالاعتراف بمنظمة التحرير ومنحها العضوية الكاملة فيهما.
ـ ازدياد الدول التي اعترفت بالمنظمة بشكل رسمي.
ـ نتائج حرب 6 تشرين الأول 1973.
وفي 13 تشرين الثاني 1974 ألقى ياسر عرفات من على منبر الجمعية العامة في نيويورك خطاباً وجهه إلى وفود دول العالم المشتركة في الدورة 29 للجمعية التي كان يرأسها عبد العزيز بوتفليقة وزير خارجية الجزائر آنذاك (وأصبح رئيساً عقب انتخابات نيسان 1999 في الجزائر) واستقبل عرفات في الأمم المتحدة وفق المراسم التي يستقبل بها رؤساء وملوك الدول.
التخاذل العربي والدولي إزاء القضية:
استمرت إسرائيل بعد حرب 1973 في سياستها الاستيطانية والتوسعية على حساب العرب، فكانت تقوم على مصادرة الأراضي العربية من أصحابها وتبني عليها المستوطنات لتستوعب اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم. إلا أن الشعب الفلسطيني لم يهدأ ولم يستكين في الداخل، فقام بانتفاضة 30 أذار 1976 والتي تمثلت بإضراب شامل ومظاهرات شعبية في كافة القرى والمدن الفلسطينية احتجاجاً على التصرفات الإسرائيلية ضدهم. وقد سمي هذا اليوم بـ«يوم الأرض» الذي أصبح ذكرى سنوية دائمة حتى الوقت الحاضر. لكن في أعقاب هذه الانتفاضة بدأت سلسلة التخاذل العربي بدءاً بمؤتمر جنيف الدولي بمشاركة أمريكية وسوفياتية وبحضور إسرائيل ومصر والأردن وغياب سوريا ولبنان، ومنظمة التحرير التي لم تدع أصلاً، فكان ذلك كافياً لفشل هذا المؤتمر وكانت الاتصالات السرية تنشط بشكل مكثف وخاصة بين أميركا وإسرائيل ومصر والذي كان يتجه نحو تسويات ثنائية جزئية ضعيفة بين إسرائيل والدول العربية وكان أولها مع مصر، حيث توصلا إلى توقيع اتفاقية كامب دايفيد في 26 أذار 1979 بين أنور السادات ومناحيم بيغين وبرعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. الأمرالذي أدى إلى زيادة الخلافات العربية والتي قطفت إسرائيل ثمارها خاصة على الساحة اللبنانية والفلسطينية، فقامت باجتياح بيروت في حزيران 1982 وأخرجت المقاومة الفلسطينية منها باتجاه تونس والجزائر. وزاد من هذا التراجع والإحباط انشغال العالم بحرب كبيرة بين دولة عربية كبيرة بقوتها العسكرية وموقعها الصامد (العراق) وبين دولة إسلامية مشهود لها بالتزامها بالقضية الفلسطينية (إيران)، وقد جاء تقاتل هذين البلدين بمثابة ضربة موجعة جداً للقضية الفلسطينية. أضف إلى ذلك وبعد خمس سنوات بداية تحييد قوة عالمية صديقة وداعمة للقضية الفلسطينية والقضايا العربية ألا وهو الاتحاد السوفياتي.
ثورة الحجارة الانتفاضة (1987 ـ 1994 م):
في إطار هذه الظروف العربية غير الداعمة، والدولية المتناحرة، وحتى الداخلية الفلسطينية (خلافات متعددة بين الفصائل الفلسطينية) اندلعت انتفاضة أطفال الحجارة في الأراضي المحتلة وذلك في كانون الأول 1987م. ويمكننا أن نذكر هنا بعض أهم العوامل التي أدت إلى الانتفاضة:
1 ـ الإحباط الشديد لدى فلسطينيين الداخل عندما رأوا التخلي عن قضيتهم من قبل المجتمع العربي والمجتمع الدولي.
2 ـ ممارسات الاحتلال الإسرائيلي إزاء سكان الضفة على وجه الخصوص (تمييز، حرمان، مضايقات، ملاحقات....).
3 ـ ازدياد عدد المستعمرات والمستوطنات اليهودية في الصفة، ومصادرة الأراضي العربية.
4 ـ الوضع المزري لأهالي وسكان المخيمات في قطاع غزة الذين تضاعف عددهم في نفس المكان الذي كانوا عليه من قبل.
جميع هذه العوامل والأسباب مجتمعة أدت إلى اندلاع الانتفاضة من غزة ومن مخيم جباليا بالتحديد في 9 كانون الأول 1987 حيث دهست شاحنة إسرائيلية مجموعة من الشبان الفلسطينيين، ومنذ ذلك الوقت انفجرت غزة بالمظاهرات وحالات الغضب ضد الجنود الإسرائيليين وسرعان ما عم الغضب مختلف المناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، واكتملت الانتفاضة عندما أعلن فلسطينيو عام 48 مشاركة إخوانهم الفلسطينيين بانتفاضتهم فأعلنوا الإضراب العام والشامل في 21 كانون الأول 1987 ورفعت شعارات واحدة موحدة على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة ونظمت المسيرات والمظاهرات في مختلف المناطق.
وقد كان تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مع هذه الانتفاضة بمنتهى القسوة والوحشية، ولم يسلم منهم لا الصغار ولا الكبار، وقد شاهد العالم بعض مظاهر الوحشية لدي اليهود، عندما نقلت شبكة CNN الأمريكية لقطات لرجال في الجيش الإسرائيلي وهم يجتمعون حول طفلين فلسطينيين ويكسرون أيديهم وأرجلهم بواسطة الحجارة الكبيرة.
وفي خضم الانتفاضة. وقعت حادثة الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى في مدينة القدس في 8 تشرين الأول 1990 والتي أدت إلى سقوط 22 قتيلاً ومئات الجرحى من المصلين وبقيت أثار المجزرة على حيطان المسجد شاهدة على وحشية اليهود.
وقد أدان العالم هذه المجزرة، كذلك قرر مجلس الأمن الدولي إرسال بعثة دولية إلى فلسطين إلا أن إسرائيل رفضت هذا القرار جملة وتفصيلاً بكل وقاحة، وضربت به عرض الحائط، ولم يحرك المجتمع الدولي ساكناً، ورفضت السماح لأي بعثة دولية بدخول الأراضي الفلسطينية.
وقد استمرت وتيرة الانتفاضة الفلسطينية على ما هي عليه من الشدة، وقد ظهر طرف آخر جديد في حركة الانتفاضة إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية ألا وهي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي كان لها دور كبير أيضاً في عمليات الانتفاضة إلى جانب القيام بعمليات فدائية ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي. وقد رفضت حركة «حماس» إعلان الدولة المستقلة الصادر عن المجلس الوطني في دورته الطارئة في الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988، الأمرالذي أدى إلى وقوع بعض الصدامات بين الفريقين حاول الإسرائيليون إذكاء نارها، إلا أن الطرفان توصلا إلى حل يوحد عملهما ويوقف هذه الصدامات.
يتبع